أبي الحبيب.. لقد سألتني مؤخراً: لماذا أزعم أنني أخاف منك؟ وكالعادة لم أدر بماذا أجيبك. تارة بسبب الخوف الذي يعتريني أمامك، وتارة لأن الكثير من التفاصيل متعلقة بحيثيات ذلك الخوف، بحيث لا يكون بوسعي لملمة شتاتها في الحديث معك ولو جزئياً. وإنني إذ أحاول هنا أن أجيبك خطياً، فإن كل ما أقوم به لن يكون سوى محاولة مبتورة، وذلك لأن الخوف وتبعاته يصدانني عنك حتى في الكتابة، ولأن جسامة الموضوع تتعدى نطاق ذاكرتي وإدراكي.
الأمر بالنسبة لك كان دائماً في غاية البساطة؛ على الأقل وأنت تتحدث عنه أمامي وأمام الكثيرين بلا استثناء. كنت إلى حدٍّ ما اتصور الأمر هكذا: لقد ظللتَ تكدح طوال حياتك، مضحياً بكل شيء في سبيل أولادك، وأولهم أنا؛ أنا الذي، والحالة هذه، رحتُ أتمطى في “بحبوحة من العيش”، متروكاً لي مطلق الحرية في تعلم ما أريد! أنا الذي لم يكن لديّ من سبب واحد للقلق على أمر زادي وشربي، بل ولا على أي شيء. ومع كل هذا لم تحصل مني حتى على كلمة امتنان. وأنت أدرى كيف يكون “امتنان الأولاد”! إنما على الأقل كنوع من الملاطفة، من الود. إنني بدلاً من ذلك رحتُ أنأى بعيداً عنك إلى الغرفة والكتب وأصدقاء معتوهين، وإلى أفكار غريبة الأطوار. لم أصارحك يوماً بحديث، لم أتعهدك مرة في المعبد، لم أزُرْك مطلقاً، بل لم يكن لدي حتى حس الانتماء للأسرة. لم أكترث يوماً لأمرك ولا لشأن من شؤونك. ألقيتُ بكل ثقل المتجر على كاهلك وتركتك وحدك. رحتُ أقف في صف أوتيللا(2) وعنادها، بينما لم أكن أحرك ساكناً من أجلك أنت (لم آتك مرةً بتذكرة مسرح)، بينما أفعلُ كل شيء في سبيل الغرباء.