يقولون إنّهم الأصحاء...
وأنّ طبيبَهم هو المجنون..
وأنّهُ ابتعادَكِ جنّنَهم، وأنّكِ كلما مرَرْتِ بهم
صلّوا لربّهم أن يبقوا هنا أكثر...
هم يخافون النّوم، لأنّ وجعَ الصّحوةِ يُقلقهم...
ويُحبّون الشعر
لذا يهرعون إلى المَشغلِ ليمارسوا "العَروض" على
شغفِ أمّيتِهمْ...
يقولون أنّ صُداعَهم نصفيٌّ
وأنّ عينيكِ أغلى مُضادٍّ للاكتئاب
وأنّهُ الطبَّ بأسرِه يسجدُ لعينيكِ صباحَ مساء...
الحياةُ هنا أجملُ من الخارج يا طبيبة...
الطعامُ هنا ألذّ لما تقعُ شفتاكِ عليه، والقهوةُ مُخدّرٌ كاسرٌ للهذيان...
والسّجائرُ والدخان لا تسبّبُ السرطان ولا تقتلُ...
والمشفى يدورُ على خدّيكِ
والأطبّاءُ يصفونكِ كعلاجٍ دائمٍ لنوباتِ القلق والاهتزاز والإدمان...
يقولون أنّهم الأصحاء...
وأن العالمَ في الخارجِ مجنون...
وأنّهم يتقاتلون على رئيس، أو على القدس، أوعلى العروبة، والبترول...
وأنّ دواءهم هو ال benzoxol...
أما هنا فيروّضون أنفسهم بالنسيان
ويعودون إلى فطرتِهم الأولى...
ويختبئون من العالم المُختلّ خشيةَ أن يُصبحوا مثلَه...
الأصحّاء هنا يرسمونَكِ بالزّيت الخفيف
ويلوّنون عينيكِ بالأخضرِ الداكن...
ويصوّرونكِ كما يحلو لريشتهم، ويحيكون مقاعدًا من القصب،
ليجلسوا ويتجمّعوا على حبّك...
الأصحّاء هنا يسمعون أصواتًا وهميةً تحكي عنكِ...
فيرتفعُ مستوى الإبداع لديهم، ويغنّون على سجيّتهم، ويفرحون، ويأكلون أكثر، ويتحرّشون بالنساء أكثر
لأنهم يرونَ وجهَكِ في كلّ أنثى....
ويحسبون نفسهم المسيحَ مرّةً
ومرّةً علي بن أبي طالب...
وأنّ لأجلهم قامَ العالم واختارَهم الله لذا أرسلَكِ رحمةً لهم وللعالمين...
يقولون أنّهم الأصحّاء،
لأنّهم يعرفون مرَضَهم، بينما الناسُ في الخارجِ نيامٌ على وسخِهم...
قساةٌ على أطفالِهم...
سفّاكةٌ، ذبّاحةٌ... ورؤياهم أعوصُ من المرضِ بكثير...
يقولون أنّهم الأصحّاء...
لأنّ في انفصامهم صدقًا ووعيًا واتّزان...
بينما العالمُ كذبةٌ كبيرةٌ ونفاقٌ واحتقانْ...
يقولون أنهم الأصحاء...
د. هادي مُراد