كانت قد مرت ثلاثة أشهر على انتهاء علاقتنا، ثلاث أشهر فيها تناسيت العديد من الذكريات التي جمعتني بها، وجاءت ليلةُ ما قبل عطلة نهاية الأسبوع، حينها تكاتفت كل قِوى الأرق عليَّ ولم أستطع إخراج ذكراها من عقلي، وسألت نفسي لأول مرة سؤالاً لا أملك إجابةً مقنعة له : ما كان سبب الفراق؟.
بعدما استجمعت شجاعتي كانت غرفتي قد ضجت بنبضات قلبي من شدة التوتر، أمسكت هاتفي لأتصل بها لعلِّي أجد عندها الإجابة.
كررت الاتصال أكثر من إثنا عشر مرة، لكن دون جدوى، فقلت بنفسي علها لم ترد لأنها لم تعرف رقمي الجديد أو ربما لم ترى مكالماتي أصلاً، واستلقيت بالسرير أرتاح من ضوضاء قلبي قليلاً لربما وقتما رأت اتصالي ستكلمني.
ثم بعد ساعة من الزمن خطر ببالي مراسلتها من خلال الفيسبوك، وما لاحظته هو أنها لم تنشر بحسابها شيئاً مذ آخر مرة تحدثت فيها معها - أي قبل ثلاث أشهر- فهرعت نحو مذكرتي الرمادية التي أضعها دوماً بالدرج الثاني من خزانتي، لأن كنت سابقاً قد دونت فيها معلومات حسابها، وقررت أن أدخل حسابها لأقرأ رسائلها لعلي أجد ما يقودني لها، وقتها صدمني ما وجدت أنها تحدثت به مع صديقتها نجلى، وفيما معناه أنها أنهت علاقتها بي وهي غدت مستعدة للموت بعدما تأكدت أني سأكرهها.
بينما كنت أقرأ هذه الرسالة المشؤومة بالموقع الأزرق، وصلت رسالة جديدة بحسابها من صديقتها نجلى تسأل فيها عمن فتح حساب "ميساء"، لما أخبرتها بمن أكون بعثت لي رقم هاتفها وطلبت مني أن أتصل بها.أعلمتني بعد تلك المكالمة أن حبيبتي ميساء في آخر مرة تحدثنا فيها كانت بالمشفي، بعدما تعرضت لحادث سير أودى بحياتها.
فتحت عيناي من كابوس مؤلم بعدما كان قد غلبني النوم فجأة بينما كنت أنتظر جواباً على اتصالاتي الاثنا عشر، وإذا بي أرى أني وسادتي قد استحمت بأدمعي والشارع الذي أقطن به استيقظ على صوت صراخي، وما هدأ من روعي إلا نغمة الأذان بمنبه هاتفي.
قمت من مكاني كالميت فتوضأت وكبرت للصلاة، وفي السجدة الأخيرة بكيت حتى كاد يغمى علي، ورجوت الله ألا يكون ما حلمت به حقيقة، وما إن سلمت من صلاتي وذهبت للمطبخ أعد فنجان قهوة، إذ بهاتفي يرن وكانت هي المتصل، أجبت بلا تفكير ليطرب سمعي بسلام اشتقت سماعه أكثر من اشتياقي لاستنشاق الهواء، ورحت كالمجنون من فرحتي أخبرها من أكون، حينها حل صمت أكاد أجزم أني سمعت على اثره صوت جريان الدم بعروقي، ثم قَطَعَتْ الإتصال.
جربت الاتصال مجدداً، لكن دون جدوى فهاتفها مغلق، راسلتها لأسألها عن السبب، لتجيبني هي قائلة: رجاءً يكفي ما كان، دعني لحالي ولا تفتح دفتراً قد أغلقناه، اجبتها بكتابة اعتذار لها في رسالة قصيرة وتعهدت بأني لن أعكر صفو حياتها.
وفي صبيحة اليوم الموالي قمت بإتلاف أي تذكار بقي معي يذكرني بها، واتصلت بأمي لأخبرها أني موافق على الزواج بالفتاة التي ظلت تحدثني عنها منذ الشهر الماضي، سُرَّت أمي كثيراً وأخبرتني بأنها ستتصل بأهل الفتاة لأخذ موعد من أجل زيارتهم.
بأمسية ذات اليوم لما زرت أمي أخبرتني بأن أهل العروس ينتظرون زيارتنا غداً، فتعجبت من تسرعهم، لكن والدتي أوضحت لي بأن أهل الفتاة سيذهبون لأداء العمرة بعد يومين، وسيغيبان لأسبوعين، ولما أبت امي السماح لي بالذهاب للنوم ببيتي خشية أن أغير رأيي فهمت أنها هي التي أصرت على أهل الفتاة لتحديد يوم غد، وكان هذا ظاهراً من التجهيزات التي وجدت أنها قد حضرتها لي، ولولا حديث الناس وحكم الأعراف كانت ستزوجني في نفس الموعد الذي أرى فيه أهل الفتاة.
بعد ظهيرة اليوم الموالي توجهت مع والداي وأختي لبيت الفتاة التي لم أسأل أمي حتى عن اسمها، كان أهلها كرماء وذوي أخلاق راقية، رحبوا بنا جيداً وبعد قرابة النصف ساعة من الحديث المعتاد عن الحال والأحوال، أطلت صاحبة الخصل السوداء وقامت بضيافتنا، كان الجو ودي للغاية والفرح برز أكثر على وجه أهالينا، وأما أنا وهي كانت عيوننا السوداء تسأل بعضها، ما كان سبب الفراق؟ وتجيب في نفس الوقت، كان الفراق لأجل اللقاء..