كنتُ أريدُ أن أكتبَ عن الحُبّ كحالِ مُعظمِ البَشر، باعتباره أحد أطراف الثالوث : الحُب، الحَرب، المَوت.
وبينما أجهزّ قدميَّ للخروج من المنزل، لأنّ الكاتب هكذا، كما زرعتُ في رأسي، عليهِ أن يخرُجَ كَي يكتُب، توقّفتُ بُرهةً أتنشّقُ رائحةَ البصلِ المُقلّى، وشيخُ مسجدِ البركةِ يتجهّز للبدءِ بخطبةِ الجمعة.
انتابني شعورٌ عميق، أدركتُ من خلاله أنّ هناكَ الكثير من الأمور تستحقّ أن نذكرها في نصوصنا.
- رائحةُ منزلِ عائلةٍ تتسلّل من الباب المفتوح. هذه الرائحة الخاصة بكلّ منزل، كبصمة الإصبع.
- صوتُ التواشيحِ الدّينيّة بعدَ صلاة المَغرب.
- مشهدُ أشعّة الشّمس على طرفِ السّرير في عصرِ يومٍ ربيعيّ.
- رائحة البصل والثوم والكزبرة، استعدادًا لصحنٍ من المجدّرة أو بيضٍ مقليّ.
- صوتُ الدّيكِ بعدَ منتصفِ اللّيل، مع لفحةِ هواء باردة.
- مشهدُ البيوتِ الشّعبيّة، والغسيلُ المتعانقُ على حبالِ شرفاتها.
- هدوءُ صباحاتِ الآحاد.
- مشهدُ الحطبِ المشتعل في موقدِ مقهىً صغير، تعبقُ فيه رائحةُ البَشر، والتّبغ، والكافيين.
- صوتُ الأطفال البعيد في آخر الحَي وهم يلعبون.
- صوتُ قارئكَ المفضّل عندَ التّذكير قبلَ صلاة الفجر.
- ضحكات الجيران خلفَ أبواب منازلهم وأنتَ تهبطُ الدّرج وترجو لهم ضمنيًا نهارًا مليئًا بالحُب.
آه صحيح.. كنتُ أريدُ أن أكتبَ عن الحُب، لكنني سمعتُ صوتَ المؤذن، فوضعتُ أطرافَ أصابعي اليُمنى على قلبي، وأدركتُ أنّ الحُب يكمنُ في القدرة التي أعطانا إياه الله، على إدراكِ هذه التفاصيل الصّغيرة.