مشيت...مشيت بسرعة
ضبّيت غراضي وفلّيت، بلا ما خبّر حدا...ولا ودّع حدا.
كفّيت إمشي بلا ما إتطلّع ورايي... كنت خيفان، خيفان كتير.
ما كنت عارف شو أو مين ناطرني هونيك...
كنت رايح بس مش عارف كيف رح إرجع، أو إذا رح إرجع أصلاً!
خفت، بس ضلّيت مُصرّ كفّي طريقي...
مشيت وكفّيت إمشي وإمشي...قرّرت ما فكّر بشي ولا إعتل همّ شي...كنت عم شدّ عإيدي وواثق إنّك ماسكلي ياها وماشي حدّي...كنت متل الطّفل يللّي رايح مع بيّو مشوار ومش عارف لوين، بس مطمّن بالو لأنّو واثق إنّو آخدو عمحلّ حلو ورح ينبسط فيه كتير...
المناطق ما بعرفا، الطّرقات جديدة عليّي والوجوه حواليي غريبة...
ماشي بس مش عارف شو بدّك منّي...أو إذا قادر أعمل اللّي بتطلبو منّي... شو بدّك فيي دخلك، ليش نقّيتني إلي؟
مش كأنّك بتعرف قدّيش ضعيف وجبان وقدّيش ما عندي شي أعطيه...عنجد ما عندي شي!
أكيد بدّك كتير إشيا...كلّ واحد فينا بدّك منّو شي أصلاً...بس شو متوقّع منّي أعطي؟
فرح؟ منين؟ مضيّعو من زمان وكلّ ما حسّ حالي لقيتو بيرجع بيهرب منّي!
حُب؟ أنا والحبّ مش عم نعرف نتّفق! ما لحقت إشفا من جروحو بعد! بعدا عم تنزف...بعدا بتحرق وبتوجّعني!
إهتمام؟ كلّ اللّي اهتمّيت فيُن فلّوا، اختفوا...قال خنقتُن هيك...صار بدّي مين يهتمّ فيي!
مساعدة؟ كلّ واحد بدّو مصلحتو...وبس ياخُد البدّو ياه ما بعود يعرفني!
مصاري؟ إنتَ أدرى بوضعي!
وبرضو كفّيت إمشي بركي بشوفك، بركي بلتقي فيك وبفهم عليك شو بدّك عالمزبوط...
ووصلت، أخيرًا وصلت! صرت هون، بتاني ميلة من الدّني...شفت، شفت قدّيش بوثق فيك؟ قطعت كلّ هالمسافة كرمالك.
جيت لأنّو حسّيت إنّو بدّك ياني كون هون لسبب معيّن ما كنت بعرفو...لحاجة معيّنة معقول ساعد إنّي لبّيا أو لخدمة معقول قدّما...
وبعدين؟ صار إلي زمان هون، وما بعرف أمتين بفلّ...وكان بعدني عم بسأل إنت وين، وليه ما شفتك؟
أنا وهون شفت فقر، فقر كبير...مش فقر، عَدَم!
لمحت الفراغ، التقيت باليأس، حكيت مع الوجع وتواجهت مع الموت...إيه الموت!
حواليي وجوه بتحكي قصص مدفونة جوّاتا مكتوبة بالوجع
عيون كحّلتا دموع بتكرج بالسّرّ كلّ ليلة عمخدّتا، هيدا إذا عندا مخدّة
قلوب مصرّة تقوى عجروحا وتدقّ...وتكفّي تدقّ
وشفاف بتحكي عن هالدّني خبار كذّابة بركي شي يوم تصدّق إنّا حلوة!
حرام، هيدا ظلم، ظلم! مين المسؤول عن اللّي عم شوفو؟ كيف راضي باللّي عم بصير؟ عمول شي! مش بيّ إنتَ؟ مش ولادك هودي كمان؟!
شفتُن وصرت فكّر شو لازم أعمل؟ كيف بضوّي أمل انطفى بعيونُن؟ كيف بصلّح اللّي انكسر جوّاتُن؟ كيف بعوّضلُن اللّي راح وما بيرجع؟ كيف بصالحُن مع دني زعلانين منّا من زمان؟
عملت اللّي انطلب منّي، اللّي حسّيت لازم أعملو...عملت اللّي بقدر عليه...ما بعرف، يمكن ما عملت شي!
ضلّيت ماشي وبعدني مفكّر حالي مضيّعك وناطر إلتقى فيك تكفّي خبرك شو شفت ولومك، وعم فكّر كيف وشو أطلب منّك تغيّر...
لحدّ ما أنا وفالل وتارك شقفة منّي بكلّ زاوية هونيك...وعيت، وفهمت، وتعلّمت!
وعيت إنّي شفتك، شفتك بكلّ شخص من الأشخاص اللّي حطّيتُن عطريقي والتقيت فيك لمّا كنت معُن. إيه، هيدا إنتَ، إنتَ!
شفتك بالختيار اللّي طعميتو، بالزّلمي اللّي داويتلّو جرحو، بالولد اللّي لعبت معو وبالشّب اللّي هديتو تيابي!
وفهمت...فهمت إنّو الختيار اللّي طعميتو كان بحاجة أكتر إنّو يحسّ في حدا عم يهتمّ فيه ويحضروا ليفلّ من هالدّني بكرامة...
إنّو الشبّ اللّي داويتلّو جرح إجرو كان بدّو إيد يتكي عليا راسو ويصرّخ ليعبّر قدّيش موجوع
إنّو الولد اللّي لعبت معو كان بدّو يحسّ إنّو في حدا بحبّو وبيسأل عنّو عطول
وإنّو الشبّ اللّي هديتو تيابي كان بدّو حدا يسمعو عم يخبّر عن أحلامو ومشاريعو ومشاكلو...
فهمت إنّو هالنّاس مش بحاجة بس لشوربة وماي ودوا وكنزة وطابة...بدُّن عين ودينة وحضن وإيد وقلب!
شفتك فيُن فقير وعطشان وجوعان ومريض ومجروح وميّت...شفتك وحسّيت فيك بلا ما أعرفك...وقال كلّ هالوقت عم بسأل عنّك وإنت بوجّي...معقول؟ هلّق عرفتك...وعرفت قدّيش حالتي أضرب منُّن!
هنّي فقرُن بس مادّي...أنا فقير أكتر منُّن...فقير بعاطفتي وعطائي وخدمتي...بحبّ لإتملّك، بعطي لإقوى وبخدُم لإتمجّد!
هنّي ما عندُن شي وفرحانين بكلّ شي، وأنا عندي كلّ شي ومش مكتفي بشي!
انتبهت إنّي كنت عايش بين كتار متلُن، فقرا كتير، عم يشحدوا إهتمام وعاطفة وفرح عبابي وأنا مسكّر عحالي جوّا البيت...وإنّي قادر إذا فتحتلُّن أعطيُن كتير، أكتر ما كنت بتصوّر، لأنّو عندي أكتر ما كنت بتوقّع.
وفهمت إنّو كلّ القصّة بدّا...
شويّة حُب!”